:: وخير جليس في الأنام...آيفونُ ::




لو عاش المتنبي في هذا الزمان لقالها ، في زمن أصبح الكتاب مجرد منظر جمالي يدل على أن صاحب الرفوف شخص
مثقف ، ولو سألته ما بداخلها ، كأنك ألجمت لسانه ، وفي زمن أصبحت المعلومة هي السلعة الرخيصة ، التي تباع
وتشترى بأرخص الأثمان ، وفي زمن أصبحت الأمور التافهة هي دائرة اهتمام الشباب العربي ، فصاروا يركضون وراء
كل ما هو جديد من الموضة ، وصارت اهتماماتهم مقصورة على الأزياء و شرب القهوة ، لذلك كثرت مثل هذه النوعية
من المحلات في المجمعات والأسواق ، بينما كانت الأسواق في السابق تشتهر بالعلم والثقافة ، كسوق عكاظ الذي كان
منارة للشعر والشعراء ، بالإضافة إلى الجانب التجاري فيها . أما في مجال التكنولوجيا ، فلقد انتشرت في الآونة الأخيرة
أجهزة كثيرة ومتعددة الأشكال والاستخدامات بين الشباب في مجتمعاتنا الشرقية ، وهي نوعا ما غريبة على هذه
المجتمعات ، ليس تكنولوجيا ، فهذا ولله الحمد والمنة نبدع في استيراده ، ولكن مجتمعيا ، حيث الشعب العربي بطبعه
يحب الاجتماع ، فتجد جميع أفراد الأسرة على مائدة الطعام ، وتجد الدواوين في منطقة دول الخليج ، والمقاهي في بلاد
الشام وأرض الكنانة والمغرب العربي ، وتتعدد العلاقات لكل فرد ، وتكثر الاجتماعات و المناسبات و الأفراح ، و يُعتبر
الشخص الانطوائي من الحالات القليلة في المجتمع . أما الآن فإني أرى بأن هذه الاجتماعات تقل تدريجيا ، و أصبح
الوحيدون كثراً في مجتمعاتنا العربية ، فالأسباب كثيرة وأحدها هي هذه الأجهزة ، التي تجعل الشاب يعيش في عالم من
الوحدة ، فعندما تمر على شاب ، وتلقي عليه السلام على عجل دون أن تنظر إليه ، فإنه لا يرد ، تنظر إليه مرة أخرى ،
فتعلم أنه قد أخرج خير جليس له ...الآيفون ( على سبيل المثال ، لا الحصر ) ، هذا الصديق الحميم لأغلب شبابنا ،
وعندما تدخل إلى مجمع تجاري أو إحدى المحاضرات في الجامعة ، عليك أن تعد كم من رأسٍ مطأطأٍ ، كي تعلم أنه
يمارس عادته ، وهي احد الأمرين : أن يلعب ، أو يتحدث الى أصدقائه ، الذين بدل أن يراهم ويتسامرون في جلسات
وأحاديث ، أصبح الكل مجتمعا أمام الآيفون ، حتى ولو كان البعض على فراشه ، فإنه قريب من أصدقائه ، وتكثر مثل
هذه السلبيات ، حتى إني أرى بعض الأوقات الحارة اليمنى من الطريق مزدحمة بعد أن كانت السيارات تتحاشاها لبطء
حركة السيارات فيها ، ولكن عندما تملك آيفون تتمنى لو كانت كل الحارات مثلُها ، كي تتمكن من وضع شيئا ما على
صفحتك في احد المواقع الاجتماعية ، أو أن تشتري بقرة حلوب لمزرعتك الجميلة ، ويزداد عدد نقاطك في اللعبة ، وفي
كليهما مضيعة للوقت ، ولا يُفهم من كلامي أني ضد التطور والتكنولوجيا ، وهذا من الطبيعي أن لا يرضاه أي شخص
يحب العلم ، ولكن أنا مع الاستخدام المفيد لهذه التكنولوجيا في الاتصال و الحصول على المعلومة ، التي بفضل الله
ومنته ، سهلت على الكثير من الباحثين . بالإضافة إلى أن تكون استخداماته في أوقات الفراغ ، لا ديدناً لنا في كل أوقاتنا .
تابع القراءة